نجوان الأشول، القاهرة السبـت 12 شعبـان 1431 هـ 24 يوليو 2010

مع تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على حظر النقاب في الأماكن العامة في فرنسا، يبدأ فصل جديد من مسرحية تقنين حظر الرموز الإسلامية في الدول الأوروبية. فالبداية القريبة كانت في فرنسا بحظر الحجاب – باعتباره رمزا دينيا – في المدارس عام 2004 ثم تصويت البرلمان البلجيكي على حظر النقاب في أبريل (نيسان) 2010 ثم حظر مدينة برشلونة للنقاب في يونيو 2010 – رغم رفض البرلمان الإسباني تعميم الحظر في إسبانيا – ثم التصويت الفرنسي الأخير، ولا ننسى حظر المآذن في سويسرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009. وعلى الرغم من وجود معارضة سواء من داخل هذه الدول أو من خارجها من خلال المنظمات، مثل منظمة العفو الدولية، لمثل هذه الإجراءات، فإنها لم تكن قوية بالشكل الكافي لمنع تحول مبادرات الحظر إلى قوانين على الأرض. المؤيدون لتقنين حظر الرموز الإسلامية لديهم ثلاث حجج: أولاها رغبتهم في الدفاع عن حرية المرأة، وثانيا: الدفاع عن الثقافة الوطنية/الأوروبية ومحاربة الثقافة الإسلامية المتشددة، وثالثا: تسهيل عمليات الإدماج السريع للأقلية المسلمة في المجتمع الأوروبي.

وهنا يظهر التناقض الواضح بين هذه التبريرات وما هو موجود في الواقع، حيث إن الدفاع عن الحرية خاصة حرية المرأة يقضي باحترام رغبتها في ارتداء ما تشاء من دون قيد أو شرط، كما يقضي بعدم التدخل في الطريقة التي تريد بها المرأة أن تعبر عن ارتباطها الديني العقائدي وعدم التدخل في الحيز الفردي الخاص بها وهو جسدها. وإذا سلمنا بوجود حالات تجبر فيها المرأة على ارتداء النقاب بل والحجاب، فإن الحل ليس بالحظر الشامل الذي يؤدي إلى انتهاك حقوق اللائي يخترن بإرادتهن ارتداء النقاب والحجاب، بل وضع تدابير من شأنها التدخل في الحالات الفردية فقط من دون فرض قوانين باسم محاربة التمييز تنطوي هي نفسها على التمييز. كما أن هذا التدخل يحمل في طياته منافاة للثقافة الأوروبية بل والدساتير الأوروبية «المدافعة» عن حرية المعتقد، وكذلك يفتح الحديث عن الإسلام المقبول وغير المقبول في أوروبا، وبالتالي التدخل في الدين بحذف أو تعديل مما يعني إعطاء الحق لكل دولة أوروبية في «تفصيل» الإسلام الذي تراه ملائما «لتعريفها» للثقافة والعلمانية الوطنية، وإطلاق العنان للمفكرين والسياسيين لتحديد ما ينتمي وما لا ينتمي إلى صحيح الثقافة الإسلامية كوسيلة منهم لتبرير أي مبادرات قمعية لرموز أو مبادئ إسلامية.

كذلك يعد التدخل في الشؤون الدينية بطريقة سافرة معرقلا للاندماج الحقيقي للأقليات المسلمة في المجتمع الأوروبي، حيث يعمل على إشعار أبناء هذه الأقلية خاصة فئة الشباب الأوروبي المسلم بأنهم في واقع الأمر مواطنون من الدرجة الثانية، فهم باستمرار موضوع للتدخل وللتعديل على تصرفاتهم، وبالتالي ليسوا مواطنين بل يحتاجون من وقت إلى آخر إلى دورات «تدريبية» أو «تربوية» لتعليمهم كيفية العيش في «مجتمعاتهم الأوروبية» التي ولدوا وعاشوا فيها. كذلك يدفع هذا التدخل أيضا الشباب المسلم إلى البحث عن هوية أخرى يشعرون من خلالها بشعور الانتماء والولاء، وبالتالي تبدأ رحلة التفكير الذهني في دولة الأصل إن كانوا ينتمون إلى عائلات مهاجرة أو التفكير في الانتماء إلى دول إسلامية أو جماعات إسلامية خارج حدود الدولة الأوروبية، وقد تكون هذه الجماعات إرهابية أو متشددة فقط على أحسن الظروف، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للانتماء الفكري أو الحركي أو الاثنين معا إلى هذه الجماعات.

من ناحية أخرى، ما يحدث من تدخل وتقنين لحظر الرموز الإسلامية للأقلية المسلمة يحدث في دول من المفترض أن تكون «ديمقراطية»، وبالتالي فهذا الحظر ما هو إلا تضييق على الأقليات في العيش الطبيعي، وطارد لوجودهم في هذه البلاد، وبالتالي تكون الأدوات الديمقراطية مثل الاستفتاء الشعبي والتصويت في البرلمان أدوات يسهل تطويعها واستغلالها لدعم قمع الحرية الدينية لأقلية ما. وإذا كان هذا هو حال الدول الديمقراطية، فما هو حال الدول الاستبدادية إذن؟! ألا يعني ذلك إشارة خضراء لقيام هذه الأخيرة بسحق الأقليات فيها بل والأغلبية أيضا تحت أي نوع من الدعاوى التي يمكن تبريرها ببساطة؟!

كذلك من المهم الإشارة الى أن اختزال تفسير هذه الأفعال ضد الرموز الإسلامية باعتبارها أفعالا ضد الإسلام – وكأننا نتحدث عن حرب دينية – أيضاً يعد قاصراً، إذ أن معظمها مبادرات طرحت من جانب قوى اليمين الراديكالي في أوروبا والمعروف بمعاداتها للأجانب. والأقلية المسلمة تتوافر لديها عاملان يجعلانها في بؤرة اهتمام أحزاب اليمين؛ فهم أولاً مهاجرون- في معظمهم – وثانياً ينتمون إلى الإسلام، ذلك الدين المرتبط في نظرهم بمفاهيم الإرهاب والتشدد، تلك الصورة التي تروجها بامتياز وسائل الإعلام الغربي، إن جاز لي التعبير. وبالتالي، فإن القيام بهذه المبادرات يعد أداة جيدة من أدوات اللعبة السياسية للحصول على الأصوات وزيادة شعبية اليمين على حساب قوى الاعتدال في الفضاء السياسي الأوروبي.

إن ما يحدث الآن في بعض الدول الأوروبية من حظر للرموز الإسلامية يثير تساؤلات كثيرة حول علاقة الديني بالسياسي، بل بشكل أوضح علاقة كل ما هو إسلامي بالسياسة، واللعبة السياسية بل والاقتصادية أيضا، ومدى قبول الإنسان الأوروبي «المتدمن» للتعددية العرقية والدينية، وما مدى إيمان الأوروبي بمبادئ العلمانية التي يدعو إليها في مواجهة الغير، كذلك هل ستؤدي هذه الحالات إلى نشر عدوى الحظر والتضييق إلى دول أوروبية أخرى ليست لديها أقلية مسلمة كبيرة من باب الإجراءات «الاحترازية» وقيامها باستيراد مشكلات «متعلقة بالإسلام» وهمية من فرنسا على سبيل المثال وتطبيقها في دولها.

إن حظر المآذن في دولة لا توجد فيها سوى أربع مآذن، وحظر النقاب في دول لا يوجد بها سوى مئات من المنتقبات لا يمثلن نسبة عددية حقيقية بل يمثلن فقط نسبة إنسانية، ما هو إلا استمرار لتغذية المناخ المعادي لكل ما هو مسلم، والذي لن يؤدي إلى أي خير لا للدولة الأوروبية ولا للأقلية المسلمة، بل يفتح المجال وبقوة أمام صراعات خفية وصريحة ضحاياها الأمن والاستقرار لكلا الطرفين.

* أكاديمية مصرية

المصدر: الشرق الأوسط، إسدال النقاب على الرموز الإسلامية في أوروبا، السبـت 12 شعبـان 1431 هـ 24 يوليو 2010

 

Loading

Aktuellste Artikel

Veröffentlicht am: 28. Juli 2010
1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (No Ratings Yet)
Loading...

Schlüsselwörter

Ähnliche Artikel

Kein Beitrag vorhanden .